"فخ الشوكة".. كيف تحولت "Pawn Bigg" من رد فني إلى "وثيقة إدانة" في ملف الرابور "بوز"
الرباط – خاص
في عالم الراب، عادة ما تكون "البيف" (Beef) مجرد مبارزة كلامية تنتهي بانتصار "ليريكال" لأحدهم، لكن ما حدث بين "دون بيغ" و"بوز" (Pause) تجاوز حدود الفن ليدخل دهاليز "العمليات الاستخباراتية" المصغرة. لم تكن مجرد أغنية ضد أخرى؛ بل كانت رقعة شطرنج دقيقة، حرك فيها "البيغ" قطعه بذكاء، وسقط فيها "بوز" في الفخ الذي نُصب له بعناية، لينتهي به المطاف خلف القضبان، رافضاً –أو عاجزاً عن– دفع كفالة الـ 100 ألف درهم.
الفصل الأول: الطُعم الأنيق (The Elegant Bait)
بدأت الحكاية بمعلومة ذهبية وصلت إلى "دون بيغ" عبر قنواته الخاصة: "بوز" (Pause Flow) مُراقب، وملفه القديم الحساس جاهز للفتح في أي لحظة. كان "البيغ" يعلم أن خصمه، المعروف بنزعته "المناهضة للنظام" (Antisystem) وشخصيته المندفعة، يقف على حافة الهاوية.
وهنا جاءت الضربة الاستباقية في أغنية "Chouka". لم يظهر "البيغ" بملابس الشارع المعتادة، بل أطل ببدلة رسمية وربطة عنق (Costume-Cravate)، في رسالة بصرية صارخة تقول: "أنا هنا، مع السلطة، أو جزء منها". وفي خضم الأغنية، دسّ "البيغ" السم في العسل عبر سطر واحد كان بمثابة شيفرة التفجير:
"ما بغيتش نصيفتك فين تربى..."
لم يكتفِ بذلك، بل أقحم اسم الملك "محمد السادس" (M6) في السياق، ليس كنقد، بل كخط أحمر رسمه لنفسه ليقف خلفه. كان هذا هو الطُعم المثالي: استفزاز كبرياء "بوز" الثوري، وجره لمهاجمة هذا الرمز تحديداً.
الفصل الثاني: الاندفاع نحو المقصلة
وكما توقع "البيغ" تماماً، ابتلع "بوز" الطُعم. لم يقرأ السطر كتحذير، بل كتحدٍّ. فردّ بأغنية "Pawn Bigg" (بيدق البيغ)، متجاوزاً كل الخطوط الحمراء التي رسمها خصمه.
الكارثة لم تكن في الكلمات فحسب، بل في الصورة التي أشرت إليها أنت بدقة: "الغلاف" (Cover Art). صورة تضمنت أسدين (رمزاً للملكية) بطريقة اعتبرت تقليلاً وهجوماً مباشراً، مع إشارات بصرية ولفظية كسرت "التابوهات" المقدسة. ظن "بوز" أنه يرفع سقف التحدي الفني، بينما كان عملياً يوقع على محضر إدانته بنفسه. لقد تحول من "رابور" يرد على خصمه إلى "هدف" يهاجم رموز الدولة.
الفصل الثالث: أشباح "حالفين" (7alfin) تعود
ما جعل الفخ محكماً هو أن السلطات لم تكن بحاجة للبحث كثيراً. فبمجرد أن أطلق "بوز" أغنيته الأخيرة، فُتحت أبواب الجحيم القديمة. الأغاني التي كان قد نشرها في 2017 تحت لقبه السابق "7alfin" (حالفين)، والتي قام بحذفها لاحقاً، عادت لتطفو على السطح كأدلة مساندة تُثبت "سوابقه" في هذا النهج.
لقد كانت تلك الأغاني المحذوفة هي "الذخيرة" المخزنة، وجاءت أغنية "Pawn Bigg" لتكون "الزناد" الذي أطلقه "بوز" على نفسه، بتوجيه غير مباشر من "البيغ".
الفصل الرابع: 100 ألف درهم.. ثمن الصمت أو الكبرياء؟
اليوم، يقبع "بوز" في سجن "صفرو"، والقصة تأخذ منحى درامياً آخر. قاضي التحقيق وافق على السراح المؤقت، لكن بشرط تعجيزي: كفالة مالية قدرها 100,000 درهم. تشير الكواليس إلى أن بقاء "بوز" في السجن ليس مجرد عجز مالي، بل يحمل صبغة "الرفض" والمواجهة حتى النهاية، وكأنه يرفض شراء حريته في لعبة يرى أنها ظالمة، أو ربما هو الثمن الباهظ للوقوع في "فخ البيغ".
الخلاصة: في هذه المعركة، لم ينتصر "دون بيغ" بقوة القافية (Rhyme)، بل بقوة "المعلومة" (Intel). لقد استخدم الملك كقطعة محصنة على الرقعة، ودفع "بوز" لمهاجمتها مباشرة، ليخرج الأخير من اللعبة ليس بـ "K.O" فني، بل بـ "اعتقال" قانوني. إنها ليست مجرد موسيقى؛ إنها هندسة اجتماعية قاسية.