موجة سخرية تجتاح الصفحات بسبب تصريح غريب لوزير التربية الوطنية


أثار تصريح لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي محمد سعد برادة موجة غضب بعدما اعتبر أن جزء من اختلالات التعليم يرتبط بالمسافة بين التلاميذ والمدارس، داعيا الأسر إلى “اتباع المدرّس الجيد ولو كان في بلاد بعيدة”. وجاء كلامه خلال لقاء حزبي انتشر مقطعه على نطاق واسع، وتحدث فيه الوزير عن التعليم العمومي وتلاميذ الأرياف، واقترح بشكل صريح نقل الأبناء نحو “مدارس الريادة” حتى لو كانت بعيدة وتتطلب اشتراكات في النقل المدرسي. ومن جهة أخرى، أكد برادة أن “أكفس المدرسين” يوجدون في القرى، وأن أقساما تضم عشرات التلاميذ تُترك لخمسة أو ستة أساتذة فقط، بسبب اعتبارات انتخابية، وهو تصريح اعتبره كثيرون إساءة لمهنيي القطاع.

هذا واعتبر منتقدون أن وليّ أمر التلميذ في المدرسة العمومية لا يملك أصلاً حرية اختيار المؤسسة ولا المدرس، لأن ذلك شأن إداري محض، محذّرين من تحويل مسؤوليات الوزارة إلى عبء إضافي على الأسر. كما رأوا أن كلام الوزير يعكس نظرة تعتبر المدرسة العمومية حملا ثقيلا لا واجبا دستوريا، وأنه اعتراف ضمني بوجود تفاوتات صارخة داخل المنظومة، بدل الالتزام بإصلاح كل المؤسسات وتقريبها من المواطنين. والمثير أن حزب التجمع الوطني للأحرار سارع إلى حذف الفيديو المثيرة للجدل من صفحاته، في خطوة فسّرها بعض المراقبين بأنها تبرؤ جزئي من التصريحات التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكثر من هذا، توسّع الجدل ليشمل موجة سخرية حادة، إذ أنتج ناشطون مقاطع مرئية بالذكاء الاصطناعي تُظهر سكان القرى وهم يجرّون بيوتهم نحو المدارس، في محاكاة ساخرة لفكرة “المسافة البعيدة” التي تحدث عنها الوزير. واعتبرت النائبة البرلمانية فاطمة التامني أن تصريحات برادة تكشف ثلاث حقائق خطيرة: أولها فشل الحكومة في توفير تعليم عمومي قريب ومنصف، وثانيها تحويل المدرسة إلى امتياز طبقي لمن يملك المال ووسائل التنقل، وثالثها ضرب مبدأ العدالة المجالية التي دعا إليها الملك في خطاب افتتاح البرلمان، بحيث يصبح المواطن مطالبا بالبحث عن حقه في مكان آخر بدل أن يجده حيث يقطن.

ومن بين تبعات الجدل أن “مدارس الريادة”، التي أراد الوزير تقديمها كنموذج ناجح، عادت إلى واجهة النقاش من جديد، بعدما تحدث أولياء أمور وتربويون عن مشاكل تتعلق بنقص الكتب والمقررات وضعف التجهيزات وغياب المدير أحيانا، إلى جانب خصاص حاد في الموارد البشرية، وهي معطيات تتناقض مع شعارات “التميز” و“التجريب الريادي”. كما استُحضر سياق سابق من زلات الوزير اللغوية وتعثّراته التواصلية، والتي جعلته محط انتقادات متكررة، خصوصا بعد الجدل المصاحب لملف الصفقات الصحية.

وفي النهاية، ورغم أن تصريحاته جاءت في إطار حزبي ولا تعكس بالضرورة سياسة رسمية، فإنها في نظر كثيرين تعبّر عن طريقة تفكير المسؤول الأول عن قطاع التعليم، وتطرح سؤالا أساسيا: هل يُنتظر من الأسر أن تبحث بنفسها عنمدرسة جيدةفي أماكن بعيدة، أم أن دور الدولة هو تحسين كل المدارس وضمان تكافؤ الفرص للجميع؟ وسط هذا النقاش الحاد، ترتفع أصوات تطالب بإصلاحات حقيقية تشمل توزيعًا عادلًا للموارد، وتقليص الفوارق بين المدن والقرى، وإعادة الثقة في المدرسة العمومية باعتبارها أساسا للتنمية، لا مرآةً للامتيازات الطبقية.